حين يتوجه جنديان بعد نهاية عزف جيني ليمسك كل منهما بيديها اللتين أبدعتا في عزف البيانو تتوج هذه اللقطة الفيلم الذي عانت فيه جيني مع مدرستها كروغر الباحثة عن الجمال لإثبات موهبتها الفذة.
الجنود الذين أحاطا بجيني لم يكونا حالة طارئة في حياتها, طيلة الوقت هم يحيطون بها,منذ دخولها العبثي للسجن,الذي لا يبدو سجنا بمعناه المادي فقط بل هو سجن للروح ولقتل أية ملامح إنسانية لدى ساكنيه,حتى أن المدرسة العجوزتراود كروغر أدت دورها الممثلة مونيكا بليبترو وهي التي تعمل في السجن منذ فترة طويلة مع ذلك عانت الكثير حتى تتمكن من إقناع القائمين على السجن أهمية اشتراك جيني )حنه هيرتربرنغ(في مسابقة البيانو ولم تتمكن من إقناعهم إلا بعد أن أكدت لهم أن فوزها يعتبر فوز للسجن ولمديره شخصيا.
المشكلة التي بدأت تعاني منها جيني وهي التي تعيش في مكان كل ما فيه يقتل الموهبة وكل ما يمت إلى الجمال بصلة... ولكن مدرستها كروغر تصر رغم كل شيء وحتى النهاية على إبراز الموهبة العبقرية التي تملكها,ولكن إلى أي حد يمكن لهذا الجمال أن يبرز وكل ما حولها يشوهه ولا يسمح لموهبتها بالظهور.
خلال رحلة البحث عن هذه الموهبة مع المدرسة العجوز نكتشف الأسباب الحقيقة التي جعلت من الفتاة جيني فتاة بهذا العنف والعدوانية التي تصل في بعض الأحيان إلى حد لا يمكن السيطرة عليها, فها هي قد دخلت السجن بدلا من حبيبها الذي قتل والده ومع ذلك تخلى عنها,وخلال إنجابها لابنها يرفض الأطباء إجراء عملية قيصرية الأمر الذي يقتل الطفل, ولعل أفظع ما تعرضت له كان الاعتداء عليها من قبل والدها,كل هذه الأحداث خلقت لديها حالة من اللاتوازن لم تتمكن المدرسة من السيطرة عليها إلا من خلال تركيزها على التعامل مع موهبتها ,هذه الموهبة التي تشكل بالنسبة لجيني مسألة حياة أو موت.
ويبدو المخاض الذي تعاني منه موهبتها أصعب بكثير من المخاض الذي أودى بطفلها وفي مرات عديدة يكاد هذا المخاض يقتل موهبتها لولا المدرسة صاحبة الإرادة التي تصر على إبراز هذه الموهبة مهما كانت النتائج.
المدرسة التي تصر مع مرور الوقت على تحقيق هدفها,نكتشف أن تعاطفها مع جيني وحمايتها لها لم يأتيا من عبث فهي الأخرى قد تعرضت لمآس صعبة لم تستطع تجاوزها يوما فهي قد عملت في مشفى حيث الدماء تزف من الأطراف المبتورة,وحيث يحيط بها من كل جانب جرحى الحرب المتألمين حد الموت,ونكتشف أن سبب بقائها في السجن هو الصديقة الحميمة التي سجنت لأنها شيوعية وعندما كان النازيون يحاولون شنقها ضرب مقرهم بقنبلة أصابت المشنقة الأمر الذي جعلهم يفكرون بوسيلة أجدى لقتلها تجلت بشنقها بوحشية مرة أخرى,وبقيت كروغر التي بلغت الثمانين في السجن وفاء لذكرى هذه الصديقة.
المعاناة التي تجمع ما بين المدرسة وطالبتها هي التي تخلق فيما بينهما نوعا من التعاطي الإنساني العميق الذي يحث على توليد طاقة للفعل رغم كل ما يحيط بهما من عنف وبشاعة لها علاقة بالمكان والأشخاص,حيث إن الفيلم ومن خلال العديد من مشاهده يظهر إلى أي حد يبدو الإنسان ضئيلا في هذا المكان الذي يقزم كل ما له علاقة والإبداع بل إن اختطاف أربع دقائق لتعزف جيني يعتبر بمثابة معجزة حيث يحيط بها العسكر من كل مكان بعد أن اقتحموا الصالة عندما عرفوا بهروب جيني من السجن بواسطة البيانو الكبير الذي يجسد مشهد دخوله وخروجه من السجن مشهد إبداعي وكأن كل ما له علاقة بالإبداع والجمال لا يمكن له بأي حال أن يبقى في مثل هذه الأمكنة حيث كل شيء فيها محكوم بوجع إنساني لا نهاية له ولا كفارة حقيقة يمكن أن تسكته.
الأربع دقائق التي اقتطعتها جيني مع معلمتها وقدمت عزفا متفردا جماله والطريقة التي عزفت بها جيني تفوق الوصف ولكنها بدت دقائق مسروقة لا يمكنها أن تستمر أكثر من ذلك.الفيلم الألماني لمخرجه كريس كراوس والذي عرض ضمن المسابقة الرسمية وحاز سابقا على جوائز عديدة منها جائزة أفضل تمثيل للممثلة مونيكا بليبترو, قدم تجربة سينمائية ستبقى طويلا في الذاكرة...