عبير الروح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عبير الروح

فى الغابة، تتخاصم الأشجار بأغصانها، لكنها تتعانق بجذورها
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تصدّع أسطورة تقدير الذات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
tousman

tousman


عدد المساهمات : 650
تاريخ التسجيل : 08/05/2011

تصدّع أسطورة تقدير الذات Empty
مُساهمةموضوع: تصدّع أسطورة تقدير الذات   تصدّع أسطورة تقدير الذات Emptyالسبت مايو 14, 2011 4:03 am

لقد صار تعزيز إحساس الناس بأهميتهم شاغلاً قوميًا. ومع ذلك،

فمن المدهش أن يُظهر البحث أن ليس للجهود في هذا المضمار تأثير مهم لتنمية القدرات

على التحصيل الدراسي أو الحيلولة دون السلوك غير المرغوب.

يدرك الناس بحدسهم أهمية تقديرهم لذواتهم بالنسبة إلى صحتهم النفسية. لهذا، يلاحظ بوضوح أن أكثرنا يسعى إلى حماية وتعزيز تقديرهم لذواتهم متى أتيح لهم ذلك. ومن الجدير ذكره أن الاهتمام بمسألة تقدير الذات تحوَّل إلى شأن عام، على الأقل لدى الأمريكيين، الذين يعتبرون أن رأيا إيجابيا مواتيا حول الذات هو المصدر النفسي الأساسي لجميع أشكال السلوك الإيجابي. ولعقود عديدة، شكل الاستنتاج «بأن تدني تقدير الذات مرتبط بالاضطرابات والمشكلات الفردية والمجتمعية» معينًا لأجندة طموحة من العمل الاجتماعي. وبالفعل، فقد تزايدت كثيرا الحملات الرامية إلى الارتقاء بحس الإنسان وجدارته وتقديره لنفسه.



لنلاحظ ماذا حدث بكاليفورنيا في أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي. فبإيحاء من عضو برلمان المقاطعة <J. ڤاسكُنْسِيلّوس> شكَّل الحاكم <G. ديوكميجيان> مجموعة عمل للبحث في مجال تقدير الذات والشعور بالمسؤولية الفردية والاجتماعية. وقد قال <ڤاسكنسيلوس> إن الارتقاء بمستوى تقدير الذات لدى الصغار من شأنه أن يقلل من معدل الجريمة ونسبة الحمل بين المراهقات وإدمان المخدرات وتدني التحصيل في المدرسة والتلوث. وذهب حتى إلى حد القول إنه يأمل أن تساعد هذه الجهود مستقبلا على تحقيق استقرار ميزانية المقاطعة، من منظور ملاحظته أن الناس الذين ينظرون بتقدير كبير إلى أنفسهم يكسبون أموالا أكثر من سواهم، ومن ثم يدفعون قدرا أعلى من الضرائب. وإلى جانب ما كانت تقوم به مجموعة العمل تلك من أنشطة، شكلت أيضًا فريقًا من الباحثين لدراسة الأدبيات في هذا المجال. وقد ظهرت النتائج في كتاب نشر عام 1989 بعنوان «الأهمية الاجتماعية لتقدير الذات»، جاء فيه أن «عددًا كبيرا من المشكلات الكبرى التي ابتلي بها المجتمع، إن لم يكن معظمها، يعود أساسًا إلى النظرة الدونية للذات لدى الكثير من الناس في المجتمع.» والواقع أن الكتاب لم يقدم من الأدلة ما يكفي لتبرير هذا الاستنتاج.



وقد تفرقت مجموعة العمل في كاليفورنيا عام 1995، ولكن ظهرت هناك منظمة غير ربحية تسمى «الجمعية القومية لتقدير الذات» (NASE) التي تابعت هذه المهمة الرامية (حسب بيان إنشائها وعملها) إلى «ترسيخ الوعي وتوفير الرؤية والقيادة وتأييد تحسين الأوضاع الإنسانية عن طريق دعم الشعور باحترام الذات.» واليوم، أصبح <ڤاسكنسيلوس> [عضو مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا حاليا] أحد أعضاء الهيئة الاستشارية في هذه الجمعية.



هل كان معقولا بالنسبة إلى المسؤولين في كاليفورنيا أن يشرعوا في بلورة علاجات وسياسات اجتماعية دون توفر معلومات كافية؟ ربما كانوا محقين في ذلك. فينبغي للعاملين بعلم النفس والقانونيين أن يتصدوا لمعالجة المشكلات التي تصادفهم، حتى قبل اكتمال البحث ذي الصلة بهذا الموضوع. غير أننا الآن نستطيع أن نعتمد على العديد من الدراسات التي لم تكن متاحة قبل خمس عشرة سنة، لتكون شواهد على قيمة تقدير الذات في عدد من المجالات. وبكل أسف، إن الذين يتابعون برامج تعزيز احترام الذات، ومن ضمن هؤلاء المسؤولون في الجمعية NASE، لم يُظهروا رغبة في الاطلاع على الدراسات الجديدة، وهذا يفسر لقاءنا نحن الأربعة مؤخرا برعاية الجمعية الأمريكية لعلم النفس بهدف تدارس المواد العلمية والأدبيات المتعلقة بهذا الموضوع.



في عين الناظر

إن سبر أغوار قيمة تقدير الذات يتطلب قبل أي شيء طريقة دقيقة للقياس. إن معظم الذين يعملون في هذا المجال يكتفون بسؤال الآخرين عن آرائهم بأنفسهم. ومن الطبيعي جدا أن تأتي الأجوبة موسومة غالبا بنزعة عامة متطلعة إلى جعل الذات تبدو جيدة. ولسوء الحظ، يفتقر علماء النفس إلى أي طرق أخرى أفضل للحكم على تقدير الذات، وهذا يبعث على القلق، لأن هناك تقييمات ذاتية مشابهة لصفات أخرى غالبا ما يثبت أنها بعيدة جدا عن الواقعية. ولنلاحظ، على سبيل المثال، البحث العلمي الذي يُجرى على العلاقة بين تقدير الذات والجاذبية الجسدية.



هناك عدة دراسات أجريت لاختبار الترابط بين هاتين الصفتين، وتوصلت عموما إلى وجود روابط إيجابية واضحة بينهما، حين يصنف الناس أنفسهم ضمن هاتين الصفتين. ويبدو محتملا أن الأشخاص الذين يتمتعون بجاذبية جسدية، ينتهون إلى تقدير أرفع لذواتهم، لأنهم يجدون معاملة أفضل وتقييما أعلى ويتمتعون بحب أكبر من قبل أحبائهم وأصدقائهم، مقارنة بالأشخاص الذين يفتقرون إلى هذه الجاذبية (الجسدية). ولكن من الممكن أيضا أن الذين يسجلون معدلات عالية في مجال تقدير الذات من خلال الادعاء بأنهم مميزون في نظر الجميع، يتباهون كذلك بكونهم يتمتعون بجاذبية جسدية.

في سنة 1995 قام <F .E. دينَر> و<B. وُلْسِك >[من جامعة إلينوي] و<F. فوجيتا> [من جامعة إنديانا ساوث بِنْد] باختبار هذا الاحتمال. وقد حصلوا على أرقام حول تقدير الذات من خلال عينة كبيرة من السكان، ثم قاموا بالتقاط صور فوتوغرافية لجميع المشمولين بهذا الاختبار، وعرضوا تلك الصور على لجنة تحكيم خاصة بتقييم موضوعات الجاذبية. وقد اتضح أن التقييمات التي أجريت على أساس الصور التي أخذت للأشخاص بكامل قامتهم full-length لا تعكس ترابطا ذا دلالة بمعدل تقدير الذات، في حين أظهرت الصور الملتقطة عن قرب للرأس والكتفين فقط ترابطا أفضل قليلا. لكن حتى هذا الاستنتاج مشكوك فيه، لأنه من المحتمل أن يحرص الأشخاص الذين يقدرون أنفسهم تقديرا رفيعا على إظهار أنفسهم بمظهر جيد، كأن يرتدوا ملابس جذابة وحُليّا. وتشير الدراسة التي أجريت عام 1995 إلى الاستنتاج نفسه: عندما عرضت على لجنة التحكيم صور وجوه غير مزيّنة للمشاركين، تراجع الترابط بين الجاذبية وتقدير الذات إلى الحضيض. وعلى أي حال، أوضحت تلك الدراسة وجود ترابط قوي بين معدل هذه الجاذبية عند الأشخاص الذين قالوا إنهم يتمتعون بجاذبية جسدية وبين معدل تقديرهم لذواتهم. ومن الواضح أن الذين يقدرون ذواتهم تقديرا عاليا يعتبرون أنفسهم أشخاصا رائعين (من وجهة نظرهم)، ولكن الآخرين قد لا يرونهم كذلك.



وينبغي أخذ هذا التباين بتأن وواقعية. فما يبدو للوهلة الأولى ترابطا قويا بين المظهر الجميل والتقدير العالي للذات تبين أنه ليس إلا أحد أنماط الانسجام في مجال كيفية تصنيف الناس لأنفسهم تصنيفا إيجابيا. كما أن هناك ظاهرة موازية لهذه تؤثر في الأشخاص القليلي التقدير لذواتهم، وهم الأشخاص الميالون إلى تحقير الذات floccinaucinihipilification، وهو تعبير طنان (إحدى أطول كلمات قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية) لا بديل لنا عن استخدامه هنا، باعتباره يعني «ممارسة لفعل أو عادة تقييم الأمور تقييما دونيا». وبمعنى آخر، إن الأشخاص القليلي التقدير لذواتهم ليسوا فقط مجرد ناقدين لأنفسهم، بل هم سلبيون في كل شيء.

لا شك أن هذا التوجه أفسد بعض التقديرات. فعلى سبيل المثال، كان علماء النفس ذات يوم يعتقدون أن الأشخاص الذين لا يقيمون وزنا كبيرا لذواتهم، كانوا منحازين بصفة خاصة. وهذه الفكرة أكَّدتها ظاهريا الدراسات الأولى التي طُلب فيها إلى أشخاص ببساطة تصنيف أنفسهم ضمن مجموعات لا ينتمون إليها. ولكن بعض الباحثين المتعمقين، من أمثال <J. كروكر> [من جامعة ميتشيگن في آن آربر]، شككوا في صحة هذا الاستنتاج. ومع ذلك، حين يقدر الناس أنفسهم تقديرا سلبيا، من غير المناسب أن ننظر إليهم على أنهم أشخاص منحازون، لأنهم صنفوا أفرادا لا يشبهونهم بالطريقة ذاتها التي طبقوها على أنفسهم. وعند أخذ الفارق بين تقييمات الأفراد لمجموعاتهم التي ينتمون إليها وتقييماتهم لمجموعات أخرى، كمعيار للتحيز، تنقلب النتائج؛ فالذين يقدرون أنفسهم تقديرا رفيعا يبدون أكثر تحيزا. كذلك يثير الميل إلى تحقير الذات، لدى الأشخاص الذين يستخفون بأنفسهم، خطر تطبيق هذا الميل على حياتهم بالطريقة ذاتها، وهذا يوحي أن ضعف تقدير الذات ينطوي على نتائج غير مرغوبة.



تشير بعض النتائج إلى أن التعزيز المصطنع لتقدير

الذات ربما يخفض الأداء الأكاديمي اللاحق.

ولأن الكلام عن الذات له طبيعة مضللة غالبا، قمنا بهذه الدراسة لكي نؤكد، متى كان ممكنا، خطوات موضوعية ـ وهو مطلب يقلل كثيرا عدد الدراسات ذات الصلة بهذا الموضوع (وهذا يزيد على 000 15 دراسة إلى 200 دراسة فقط). وكنا متيقظين أيضا لتفادي مغالطة أخرى، وهي افتراض أن وجود علاقة بين تقدير الذات وسلوكٍ محببٍ ما يرسخ مبدأ السببية. وبالفعل، فإن مبدأ السببية يدخل في صميم النقاش. فإذا كان التقدير العالي للذات سببا لحدوث نتائج إيجابية معينة فهو جدير بصرف الجهد والمال لمحاولة غرس هذا الشعور. ولكن إذا كانت هذه العلاقة تعني ببساطة أن الصورة الإيجابية عن الذات تنتج من النجاح أو السلوك الحسن ـ وهذا أمر معقول على الأقل برغم كل شيء ـ فإن ثمرة تنمية تقدير الذات بحد ذاتها تغدو قليلة. ولقد شرعنا في عملنا الذي استغرق سنتين من أجل حل هذه القضية من خلال مراجعة الدراسات التي تربط بين تقدير الذات والأداء الأكاديمي.



في بداية عملنا تهيأت لنا جميع الأسباب لنتطلع إلى أن يكون رفع تقدير الذات أداة فعالة لمساعدة الطلبة. فالمنطق يوحي أن امتلاك نسبة جيدة من تقدير الذات من شأنه دعم الكفاح والمثابرة في المدرسة من جهة، والتخفيف من احتمال استسلام الطالب للمشاعر المحبطة نتيجة العجز أو التشكيك في الذات من جهة أخرى. وقد أكدت المراحل الأولى من العمل هذه الفكرة، وأظهرت وجود علاقة إيجابية قوية بين تقدير الذات والتحصيل الأكاديمي. ولكن الأبحاث الحديثة تشكك في صحة الفكرة القائلة بأن التقدير الأعلى للذات يدفع عمليا بالطلبة إلى التحصيل الأفضل.



مثل هذه الاستنتاجات المتعلقة بمبدأ السببية ممكنة عندما يتم فحص الأشخاص المشمولين بالدراسة في زمنين مختلفين، كما حدث عام 1986 حين قامت <M .Sh. بوتيباوم> و<Z .T. كيث> و<W .S. إيهلي> [وثلاثتهم كانوا حينئذاك في جامعة آيوا] باختبار ما يربو على 000 23 من طلبة المدارس، في البداية وهم في الصف العاشر، ومن ثم وهم في الصف الثاني عشر. وقد اتضح لهم أن تقدير الذات عند طلبة الصف العاشر يشير بشكل ضعيف إلى مستقبل التحصيل الأكاديمي في الصف الثاني عشر. أما التحصيل الأكاديمي في الصف العاشر، فيرتبط بتقدير الذات في الصف الثاني عشر بعلاقة أفضل قليلا جدا. وهذه النتائج التي يمكن الآن أخذها من دراسات متعددة لا تشير بكل تأكيد إلى أن تنمية تقدير الذات توفر للطلبة فوائد جمة، بل إن بعض النتائج تشير إلى أن الدعم المصطنع لتقدير الذات قد يؤثر سلبا في الأداء اللاحق

وحتى لو لم يؤثر رفع تقدير الذات في تنمية التحصيل الأكاديمي، فهل هو يدعم هدفا ما فيما بعد، وليكن، خاصا بالمهنة؟ الظاهر أن الإجابة بالنفي. فالدراسات حول احتمال وجود علاقة بين تقدير العاملين لذواتهم وبين الأداء في العمل تعكس ما تم التوصل إلى اكتشافه بالنسبة إلى الأداء المدرسي، من أن البحث عن علاقات ارتباطية يعطي بعض النتائج الموحية، ولكنها لا تُظهر إن كانت الصورة الذاتية الجيدة للمرء ستؤدي إلى نجاحه في عمله، أو بالعكس. وعلى أي حال، فالصلة هنا ليست متينة.



ويمكن تعويض الفشل في الإسهام إسهاما مهما في المدرسة أو في العمل إذا ساعد شعور تقدير الذات العالي المرء على النجاح المطرد في علاقاته مع الآخرين. فتكوين شخص ما صورة جيدة لنفسه ربما يجعله محبوبا أكثر مادام الناس يفضلون الاقتران بالأشخاص الواثقين من أنفسهم، والأشخاص الإيجابيين، في حين يتحاشون بصفة عامة الأشخاص الذين يعانون الشكوك في الذات وغياب الشعور بالأمن.



ويقول الناس الذين يعتدّون بأنفسهم عموما أنهم يتمتعون بشعبية، ويصنفون صداقاتهم بأنها من مستوى أرفع من صداقات أولئك الموصوفين بتدني تقديرهم لذواتهم، الذين يتحدثون بدورهم عن علاقات سلبية أكثر ونسبة أقل من الدعم الاجتماعي. ولكن هذه التأكيدات، كما بيّنت <J. بيشوپ> و<M .H. نولان> [من جامعة نبراسكا ـ لنكولن] عام 1995، لا تصور الواقع. فقد سألتا 542 طالبا من الصف التاسع أن يسموا أكثر من يحبون وأقل من يحبون من بين أقرانهم، فأظهرت النتائج عدم وجود علاقة من أي نوع كان بينها وبين نتائج تقدير الذات.



هناك عدد قليل من الدراسات المنهجية الأخرى أظهرت أن هذه النتائج تنطبق أيضا على الكبار. ففي بحث أجري خلال عقد الثمانينات، ذكر <P .D. بورمستر> [حاليا في جامعة تكساس بدالاس] مع ثلاثة من زملائه أن طلبة الجامعة الذين يقدرون أنفسهم تقديرا عاليا زعموا أنهم يجيدون بشكل أفضل المبادرة بإقامة علاقات مع الآخرين، وأنهم أفضل في المكاشفة الذاتية، وأفضل في مجال توكيد الذات ردا على تصرفات الآخرين غير المرغوبة، وأفضل في توفير الدعم العاطفي، وأفضل حتى في إدارة الصراعات مع الآخرين. غير أن تصنيفات الذين يساكنونهم كانت مختلفة تماما. فالعلاقة بين تقدير الذات وكل أربع من خمس مهارات تواصلية لدى الأفراد المشمولين بالدراسة هبطت إلى الصفر تقريبا، والمهارة الوحيدة المتبقية، التي لها ارتباط ذو دلالة بمستوى تقدير الذات بالنسبة إلى هذه الدراسة هي قدرة الأفراد على بدء اتصالات اجتماعية جديدة وتكوين صداقات. وهذا يبدو مجالا تشكل فيه الثقة درجة عالية من الأهمية حقا، فالأشخاص الذين يعتقدون أنهم محبوبون وجذابون ينبغي أن يكونوا ماهرين في بدء حوارات مع الغرباء، في حين أن الأفراد قليلي التقدير لذواتهم يظهرون خجلا من بدء هذه الاتصالات، خوفا من أن يتعرضوا للرفض من قبل الآخرين.



ربما يتصور المرء أن هذه الفوارق يمكن أن تكون مؤثرة في حياة الشخص العاطفية أيضا. ففي عام 2002 تبين من دراسة قامت بها <L .S. موراي> [من الجامعة في بَفَالو] مع أربعة من زملائها أن ضعاف التقدير لذواتهم يميلون إلى عدم الوثوق بما يقوله شركاؤهم من تعابير الحب والدعم، ويبدون كما لو أنهم يتوقعون مواجهة الرفض على الدوام. وعند هذه النقطة، لم يقدم الباحثون حتى اليوم شاهدا على أن هذه العلاقات معرضة، على نحو خاص، للتفكك. وفي الواقع، إن التقدير العالي للذات ربما يمثل التهديد الأكبر؛ وكما بيّن <E .C. رَسْبَلْت> و<D .G. مورو> و<J .D. جونسون> [الذين كانوا حينذاك في جامعة كنتاكي] في دراسة أعدوها عام 1987، فإن الذين يقدرون أنفسهم تقديرا عاليا هم الأكثر احتمالا من غيرهم لأن يستجيبوا للمشكلات، من خلال قطع علاقاتهم والسعي نحو علاقات أخرى وشركاء آخرين.

الجنس والمخدرات وموسيقى الروك

والآن، ماذا عن المراهقين؟ كيف يؤثر ارتفاع تقدير الذات أو انخفاضه في حياة المراهق الجنسية خاصة، وحياته العاطفية عامة؟ لقد أجرى باحثون دراسات موسعة حول هذا الموضوع. ورأوا أن مجمل النتائج التي توصلوا إليها لا تدعم الفكرة القائلة إن ضعف تقدير الذات يجعل المراهقين ميالين للمبالغة في ممارسة النشاط الجنسي أو التبكير فيه. وفي أحسن الأحوال، يكون الأشخاص المقدرون لأنفسهم تقديرا عاليا أقل كبتا، وأكثر رغبة في الاستخفاف بالمخاطر، وأشد ميلا إلى ممارسة الجنس. وفي الوقت نفسه، يبدو أن التجارب الجنسية الفاشلة وحالات الحمل غير المرغوبة تضعف من تقدير الذات.



وبعيدا عن الجنس، ماذا عن الكحول أو المخدرات المحرمة؟ إن سوء استخدام هذه المواد يمثل أحد أهم أشكال السلوك المزعج لدى الشباب. وكان عدد من علماء النفس يعتقدون ذات يوم أن تعزيز تقدير الذات سيحول دون مثل هذه المشكلات. وكانت الفكرة هي أن ضعاف التقدير لذواتهم يتجهون إلى تناول المشروبات الكحولية أو المخدرات لمواساة أنفسهم. ولكن المعلومات المتوفرة لا تظهر بشكل متسق أن ضعف تقدير الذات عند المراهق يقوده إلى الإفراط في استخدام الكحول أو المخدرات. ونشير بصفة خاصة إلى دراسة شاملة أجراها عام 2000 <R. ماگّي> و<M .S. وليامز> [من كلية الطب بجامعة أوتاگو في نيوزيلندا]، أظهرت أنه لا توجد علاقة ارتباطية بين تقدير الذات الذي تم قياسه عند الأولاد بين سن 9 سنوات و13 سنة وبين تناول المشروبات الكحولية والمخدرات في سن 15 سنة. وحتى عندما تُظهر بعض النتائج وجود علاقة بين استخدام المشروبات الكحولية وتقدير الذات فإنها تبقى نتائج مشوشة وغير حاسمة. وهناك قلة من الدراسات أظهرت أن التقدير العالي للذات مقترن بارتفاع وتيرة استهلاك الكحوليات، في حين تشير دراسة أخرى إلى العكس تماما. ومع هذا، فقد وجدنا بعض الشواهد الدالة على أن ضعف تقدير الذات يسهم في اللجوء إلى المخدرات المحظورة. ونشير هنا بصفة خاصة إلى دراسة أجرتها عام 1997 <A.J. أندروز. و<C .S. دانكان> [من معهد أوريگون للأبحاث] تبين منها أن تراجع الدافعية في مستويات التحصيل الدراسي (هو المحور الأساسي لدراستهما) أدى إلى هبوط في مستوى تقدير الذات، الذي أدى بدوره إلى استخدام عقار المَرْهوانا (الحشيشة)، مع أن الصلة بين المسألتين كانت واهية.

وربما يزيد من تعقيد تفسير النتائج المتعلقة بإساءة استخدام الكحول والمخدرات أن بعض الناس يمارسون هذه التجربة بدافع الفضول أو البحث عن الإثارة، في حين ربما يستخدم البعض منهم هذه المواد للتخلص من مشاعر بؤس مزمنة. والنتيجة الإجمالية أنه لا يمكن إطلاق مقولات مطلقة صارمة. وهذا ينطبق أيضا على التدخين، حيث اتضح لنا من مراجعة الدراسات حالة فحالة رجحان النتائج التي لا تظهر أي تأثير للتدخين. وربما لا تعكس النتائج القليلة الإيجابية التي توصلنا إليها سوى تحيز في الحديث عن الذات.



وثمة تعقيد آخر يلف هذه الدراسات، وهو يتعلق بتلك الفئة من أصحاب التقدير المرتفع للذات، حيث إنهم أفراد تختلف آراؤهم اختلافا كبيرا في جوانب متعددة. ومع ذلك، تقوم معظم التحليلات، على سبيل المثال، بإدراج الناس الذين يتمتعون بأحاسيس صحية سليمة من احترام الذات مع الذين يتظاهرون بدرجة أعلى لاحترام النفس وهذا يشعرون به بالفعل أو مع أولئك النرجسيين. وليس غريبا أن نتائج هذه الدراسات قد تؤدي إلى استنتاجات ضعيفة أو متناقضة.



لعقود طويلة، ظل علماء النفس يعتقدون أن ضعف احترام الذات سبب وجيه للعدوانية. وقد طرح أحدنا <باوميستر> عصا التحدي لهذه الفكرة عام 1996، حين قام بمراجعة مجموعة متنوعة من الدراسات المتعلقة بالموضوع واستنتج أن مرتكبي الأعمال العدوانية يحملون عادة آراء إيجابية، وربما مبالغا فيها، عن أنفسهم.

لنلاحظ استئساد بعض الأطفال على من هم أضعف منهم، وهي صيغة عدوانية عامة. كان <D. أولويس> [من جامعة بِرْگن] أول الذين تعرضوا لمناقشة الفكرة القائلة إن الذين يستأسدون على الضعفاء، يخفون ـ تحت مظهرهم الخارجي القاسي ـ شعورا بعدم الأمان وفقدان الثقة بالنفس. ومع أن <أولويس> لم يستخدم معيارا مباشرا لقياس تقدير الذات، لكنه أوضح أن الذين يقدمون على الاستئساد يبدون قلقا أقل، وأنهم أكثر ثقة بأنفسهم من الأطفال الآخرين. ومن الواضح أن هذا ينطبق أيضا على الكبار الذين يتصفون بالعنف، حسبما كتب <باوميستر> في هذه المجلة قبل سنوات قليلة [انظر: «مراجع للاستزادة في آخر صفحة» في الأسفل](1).



وبعد أن توصلنا إلى نتيجة مفادها أن التقدير العالي للذات لا يخفف من الميل إلى العنف، ولا يمنع المراهقين من تناول الكحول وتدخين السجائر، والضلوع في المخدرات والجنس، وأنه ليس كافيا لتحسين التحصيل الدراسي أو الأداء الوظيفي، حصلنا على دعم جديد حين شرعنا في البحث عن طبيعة العلاقة بين تقدير الذاتوالشعور بالسعادة، إذ كانت النتيجة الثابتة المتسقة أن الناس الذين يقدرون أنفسهم تقديرا عاليا أكثر سعادة من الآخرين. وهم أيضا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب.



الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير عال للذات هم أكثر سعادة

بكثير من سواهم. وهم أيضا أقل عرضة للاكتئاب.

ونُشرت إحدى الدراسات المميزة حول ذلك عام 1995، حيث قام <دِينَر> وابنته <ماريسا> [وهي الآن باحثة في علم النفس بجامعة يوتا] بإجراء دراسة على ما يربو على 000 13 طالب من طلبة الجامعة. واتضح لهما أن تقدير الذات عاليا كان أقوى العوامل المؤثرة في الشعور بالرضا في الحياة. وفي عام 2004 أورد الباحثون <S. ليوبوميرسكي> و<.Ch. تكاك> و<R .M. ديماتيو> [في جامعة كاليفورنيا بريڤرسايد] معلومات عن أكثر من 600 شخص من الكبار، تتراوح أعمارهم بين 51 سنة و95 سنة. وهنا أيضا تَبين أن ثمة علاقة قوية بين السعادة وتقدير الذات عاليا. ومع ذلك، فقبل الوصول إلى استنتاج حاسم بأن التقدير العالي للذات يفضي إلى السعادة، لا بد من القيام ببحث حول العيوب والنواقص التي شابت الدراسات السابقة حتى اليوم.



أولا، لابد من إثبات السببية في هذا المجال. ويبدو أنه من المحتمل أن تقدير الذات عاليا مدعاة للسعادة، لكن لا توجد أي أبحاث تؤكد هذا. فالعلاقة القوية بين تقدير الذات والسعادة هي مجرد علاقة ارتباطية. ومن المعقول أن النجاحات الوظيفية والدراسية وفي العلاقات الشخصية تؤمن السعادة والتقدير العالي للذات، كما أن الفشل يقود إلى الشعور بالتعاسة وضعف احترام الذات معا. ومن المحتمل أيضا أن السعادة، بمعنى المزاج أو الميل إلى الشعور بالرضا، تجلب تقدير الذات تقديرا عاليا.



وثانيا، يجب أن يكون واضحا أن السعادة (وضدها، أي الاكتئاب) قد درست بصفة رئيسية في إطار الحديث عن الذات، وأن النزعة لدى بعض الناس إلى المواقف السلبية، قد تفضي إلى تردي شعور هؤلاء الناس بأهميتهم وتدني تقييمهم لمختلف المناحي الأخرى في الحياة. وفي حالات أخرى كانت لدينا شكوك في ما ينقله الأفراد عن أنفسهم، ومع هذا ليس واضحا ما هي البدائل لهذه التقديرات. فالباحث يحس بضغط شديد عليه حين يعمد إلى التبيان بشكل مقنع أن الإنسان كان يشعر بدرجة أقل (أو أكثر) من السعادة وهذا يفترض أن يشعر به. ومن الواضح تماما أن القياسات الموضوعية المتعلقة بالسعادة والاكتئاب يصعب تحديدها، إن لم يكن مستحيلا تحقيقها. ومع هذا، فإن ذلك لا يعني القبول بما يقوله الشخص عن نفسه دون تمحيص بعين ناقدة.



والحال هكذا، ما الذي ينبغي عمله إذًا؟ هل يجب على الآباء والمعلمين والمعالجين العمل على رفع مستوى تقدير الذات كلما أمكنهم ذلك؟ لقد اكتشفنا خلال مراجعاتنا لما كُتِب في هذا المجال بعض المؤشرات التي توضح أن تقدير الذات سمة مساعدة. فتقدير الذات يحسن القدرة على المثابرة الجادة لمواجهة الفشل. كما أن الأشخاص الذين يحترمون ذواتهم جيدا يؤدون عملهم ـ كأفراد في فريق ـ بشكل أفضل من ضعاف التقدير لذواتهم. كذلك، تشكل الصورة الضعيفة للمرء عن نفسه عامل خطورة بالنسبة إلى بعض أنواع اضطرابات الأكل وبخاصة النُّهام (الشَّرَه المرضي) bulimia، وهي نتيجة وثَّقتها إحدى الباحثات معنا (ڤوس) وزملاؤها عام 1999. وهناك نتائج أخرى من الصعب إظهارها بالشواهد الموضوعية، على الرغم من أننا ميالون إلى قبول الشواهد الذاتية على أن تقدير الذات مقترن بالسعادة.



بهذا يمكننا أن نفهم بالتأكيد كيف يمكن لتحسين تقدير الذات أن يكون ذا قيمة وفائدة للمرء. ولكن لنتخيل لو أن شحنة عالية من الإحساس بالذات عند بعض الأفراد تدفع بهم إلى طلب معاملتهم معاملة تفضيلية، أو استغلال زملائهم، نتيجة ذلك. فمثل هذه النزعات سيترتب عليها تكاليف اجتماعية كبيرة. وقد توصلنا إلى أن هناك القليل من الشواهد الدالة على أن رفع مستوى تقدير الذات، دون تمييز، عند الأطفال أو الكبار في هذه الأيام، لمجرد أن يكونوا هم أنفسهم فقط، يمكن أن يوفر للمجتمع منافع تعويضية تتجاوز مستوى المتعة الإغرائية التي يحدثها في نفوس الأفراد المشمولين بالدراسة. ▪
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تصدّع أسطورة تقدير الذات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أسطورة التّوأمين والتّاريخ الدّموي في الإسلام - سعيد ناشيد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عبير الروح :: الفنون :: أخبار العلوم والتكنلوجيا-
انتقل الى: