فاطمة سرحان هي إحدي المداحات الشعبيات, واشتهرت فترتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وكان لها سرادق سنوي في منطقة الحسين بالقاهرة, كانت متزوجة من فنان شعبي اسمه عطية السفرتي وهي والدة المطربة المعتزلة سوزان عطية. وتعد فاطمة سرحان ابنة شرعية للموالد الشعبية, فقد ولدت في بسيون بمحافظة الغربية في آواخر العشرينات, وارتبطت منذ اللحظة الأولي بالموالد والمطربين والعازفين, ولذا فإنها عندما تزوجت اختارت عطية إسماعيل السفرتي وهو واحد من أهم المطربين الشعبيين في بسيون, ومع مطلع الخمسينيات كان كشاف المداحين العملاق زكريا الحجاوي يجوب البلاد, وعثر علي فاطمة, وقادها معه للقاهرة حيث ظهرت للنور من خلال مولد الحسين, وكذلك من خلال الإذاعة, والسينما. تعامل أغلب المهتمين بالتراث الغنائي مع فاطمة باعتبارها مطربة شعبية والواقع أن هذا التصنيف يظلمها كثيرا, حيث لا يمكننا أن نضع السيدة فاطمة سرحان بسهولة في صف الفنانات الشعبيات فهي متعددة المواهب وإنتاجها يفوق هذا التصنيف, فقد غنت سرحان اقلصيدة الصوفية وغير الصوفية باقتدار فريد, وهي من نوادر النساء في هذا, خصوصا الشعبيات, فقد غنت: قل للمليحة, وجاءت معذبتي في غيهب الغسق, وغيرهما من القصائد التي كانوا يقيمون من خلالها قوة المطرب وتمكنه. كما أن لها باعا طويلا في الموال, والقصة الشعبية, يظهر هذا من خلال أدائها لملحمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, وللمدائح النبوية الشعبية, واشتراكها في أداء قصة أيوب وناعسة, كما أن كثيرين لا يعلمون أن صاحبة المدح الشهير: نطق الجمل للنبي المعروف باسم أول كلامي, والذي بدأنا به الموضوع أعلاه. تميزت فاطمة سرحان عن سائر من اكتشفهم زكريا الحجاوي بأنه احتفظ بها في فرقته, وفي الوقت الذي كانت فيه الملكة كما كان يطلق عليها عضوة في فرقة الحجاوي فقد تفردت بإقامة سرادق خاص بإسمها في الحسين استمر أكثر من عشرين عاما وكانت نتيجة هذا النجاح تجربة واحدة في السينما حيث استعان بها المخرج عباس كامل في فيلم أنا الدكتور1969, لكنها لم تكرر التجربة, حيث لم تشعر بالارتياح بعيدا عن أجواء المديح. ورفضت فاطمة سرحان إقامتها بالقاهرة لأكثر من ستين عاما إلا أن تقيم في حي شعبي, وكان أبرز مكانين سكنتهما هما حي الرويعي بالعتبة, وحي السيدة زينب. وتقول ابنتها سوزان عطية أن أمها كانت حريصة علي هذا ليس فقط لدوافع فنية وإنما بدافع الحفاظ علي طبيعة الأسرة نفسها, فقد ظلت ملكة المديح الشعبي تعتبر نفسها مسئولة عن ابنتها حتي بعد أن تزوجت من الدكتور هشام العربي المدرس بأكاديمية الفنون, بل حتي بعد حصولها علي الدكتوراة عام1992. ولا يمكن أن نغفل دور الإذاعة المصرية في صقل خبرة وموهبة فاطمة سرحان, فمع اعتمادها في الإذاعة وانتشار الصور الغنائية المتاحة في ذلك الوقت لمعت أسماء كثيرة, وكان أول ظهور لفاطمة في الإذاعة هو أوبريت ملاعيب شيحة الذي كتبه الراحل الحجاوي مستلهما قصص جمال الدين شيحة مساعد الظاهر بيبرس, والذي كان مشهورا بالمكر والقدرة علي التنكر, كما اشتركت فاطمة في قصة أيوب المصري الشهيرة, المعروفة باسم أيوب وناعسة, والتي استعان عدد هائل من الأعمال الدرامية بموسيقاها التي أصبحت من أشهر الجمل الموسيقية في مصر ويمكننا أن نعتبر قصة أيوب وناعسة ما بين المديح والقصص الشعبي وهي تشبه إلي حد كبير ما يقدمه حيث يمزج القصص الشعبي بالوعظ الديني * بشكل يجعلك لا تعرف إن كان مديحا أم سيرا شعبية. لكن الباحث الدكتور محمد عمران يقول أن هذا ليس غريبا علي الأذن المصرية وأنه امتداد للمزاج المصري الذي ابتكر أسطورة ايزيس وأوزوريس. ورغم تقدم السن بالسيدة فاطمة سرحان, فإنها لم تنقطع عن المديح بحسب ما تسنح الظروف, فلم تعد تقوي علي إحياء السرادقات, لكنهاتلبي أية دعوة للإنشاد, وكان آخر ظهور لها علي المسرح عام1994 في حفل أضواء المدينة, أما آخر ما سجلته, فهو مديح اشتركت فيه مع المطرب أحمد سعد, ولفاطمة سرحان ابنتان دخلتا مجال الغناء وهما الفنانة سوزان عطية والفنانة حنان عطية, آخر مشاركات الفنانة فاطمة سرحان كان مع مشاركتها الغناء مع الفنانة أنغام في أحد ألبوماتها.
