ثروة الحسن الثاني
ممتلكات الملك الراحل غير معروفة يصعب الفصل داخلها بين ثروة الشخص وثروة البلد لم يصنف الحسن الثاني من بين أثرياء العالم، فثروته رغم ما قيل عت ضخامتها لم تمنحه هذا الامتياز ومع ذلك فقد منحته السلطة لبسط نفوذه على شعب من الفقراء.
ظلت مجموعة أونا، التي يملك فيها القصر حاليا 35% من رأسمالها، من خلال مؤسسة سيجيس القابضة، الدرع الاقتصادي القوي للحسن الثاني والقصر، وأثارت هذه العلاقة العديد من الانتقادات من طرف بعض رجال الأعمال والمعارضين السياسيين، وإن كان أغلب هذه الانتقادات يتم في صمت، خاصة بالنسبة لرجال الأعمال المغاربة الذين كانوا يخشون على مصالحهم المالية. واستطاع الحسن الثاني، الذي حرص على إضفاء هالة السرية على ممتلكاته العينية والمالية، أن يجعل من مجموعة أونا إحدى أهم وأقوى المجموعات الاستثمارية في المغرب.
وتتدخل في أغلب القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، كالصناعات الغذائية الأساسية والقطاع المنجمي والقطاع المالي والتأمينات والتوزيع، ويتجاوز رقم معاملاتها 22.7 مليار درهم حسب أرقام سنة 2004.
ويبقى من الصعب حصر ممتلكات الحسن الثاني، لسبب بسيط وهو غياب أي معطيات رسمية أو غير رسمية في هذا الإطار، باستثناء بعض المعطيات المتقطعة التي تشير إلى وجود ممتلكات عقارية في ملكية الحسن الثاني، لكنها تظل لا تعكس في الواقع الحجم الحقيقي لثروة الحسن الثاني. ولعل لغز الغاز ثروة الحسن الثاني هو أن الأشياء التي يتم الكشف عنها غالبا ما تكون مرتبطة بقضية كبرى تستلزم عملية الكشف.
وإذا كان محمد السادس قد ورث ثروة كبيرة عن والده الحسن الثاني فإن محمد الخامس لم يكن ملكا ثريا، أو هكذا تريد المصادر الفرنسية أن تقدمه، يقول المعارض المغربي عبد المومن الديوري في كتابه "من يملك المغرب": "إن الثروة المتحركة للملك الراحل بلغت خلال التسعينيات أكثر من 10 مليارات فرنك فرنسي، موزعة بين عشرات البنوك الفرنسية والسويسرية والأمريكية، الى جانب أكثر من عشرين قصرا والعديد من الضيعات الزراعية، التي تمت مصادرتها من المعمر الفرنسي في العام 1963، الى جانب حصة كبرى في مجموعة "أونا" أومينيوم شمال إفريقيا والعديد من العقارات عالية الثمن والموزعة بين نيويورك وباريس وبعض عواصم أمريكا الجنوبية، مع حصص مهمة في بعض المحافظات الاستثمارية وأسهم ذات مردودية في بورصة باريس ونيويورك<. قد تكون أهمية ما قاله عبد المومن الديوري في كونه كان أول من حاول النفاذ الى بعض تفاصيل الاسرار الدقيقة، لكن الكثير من كلامه يقوم على الفرضيات العامة والتعميم الذي لا يستند على عمل حسابي مدقق، فالقول بأن ثروة الحسن الثاني بلغت 10 مليارات فرنك فرنسي أمر فيه الكثير من المغالاة. صحيح جدا أن الحسن الثاني كان ملكا ثريا ككل ملوك ورؤساء العالم الثالث، وفي كثير من الأحيان يصعب الفصل بين ثروة الملك أو الرئيس وثروة الشعب. لكن بالمقابل، كان الحسن الثاني ملكا سخيا أيضا وإكرامياته لا يعرف قيمتها إلا مستشاروه والمطربون والمغنون الذين طلب منهم تقديم حفلات داخل القصر.
فالحسن الثاني لم يكن مدرجا ضمن قائمة الأشخاص الأكثر ثراء في العالم، وحتى اذا ما أقحم الى هذه اللائحة فإن ترتيبه كان سيجعله يحتل الصفوف المتأخرة، وراء بيل غيتس والملك فهد والأمير الوليد وسلطان بروناي .. والمؤكد أن الملك محمد الخامس لم يكن ثريا وحتى عندما استقل المغرب لم تكن الثروة الملكية بالشيء الخرافي، لكن يبدو أن ثروة الحسن الثاني انطلقت منذ العام 1963 بعد اعتماد سياسة مغربة الأراضي الفلاحية لتأخذ سرعتها القصوى منذ 1973. فقبل هذا التاريخ، لم يكن هناك شيء اسمه الملكية الخاصة في المغرب، والخاتم السلطاني هو المحدد لأي ملكية خاصة. كان العقار هو أساس الثروة والأراضي لم تكن تفوت إلا للقبائل وفق علاقات محددة مع القصر، ومن هنا كانت انطلاقة ثروة الحسن الثاني تقوم على الأراضي الزراعية الخصبة بسهل الغرب وسوس وسهل سايس. وكذا "رانش ضاباش"، الذي يوجد بين مدينتي مكناس ومريرت، وتقول المصادر إن هذه الضيعة الكبرى كانت في ملكية الأمير الراحل المولى عبد الله شقيق الحسن الثاني. وكان عرضها خمسة كيلومترات، تم ترحيل سكانها، وخصصت بالكامل لتربية عينة خاصة من البقر المستورد من الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن امتلاك الأسرة المالكة لأجود الأراضي كان سببا مباشرا في اعتماد أولوية السياسة الزراعية وبناء السدود. وهذا المعطى بدروه قاد الى اعتماد الملك الراحل تنويع مصادر دخله عبر اعتماد زراعة المواد المصنعة والصناعات الغذائية. ولعل حالة الانتقال من نمط اقتصادي تقليدي الى نمط مصنع، كان يستدعي وجود قاعدة تجارية قادرة على تصريف المنتوجين الزراعي والصناعي. ومن هنا جاء إحداث "مجموعة أونا" التي شكلت وما تزال عصب الاقتصاد الخاص المغربي.
إن القاعدة الاقتصادية المستخلصة من الخوض في ثروة الحسن الثاني هو أنه كان يقوم بدور الفاعل الاقتصادي الى جانب كونه فاعلا سياسيا، لكن قوته السياسية مستمدة من امتيازاته الاقتصادية، التي انطلقت من الأرض والضيعات الزراعية الى الصناعات الغذائية الى الوحدات الصناعية والتجارية المنظمة، مع ميزة أساسية هي أن أغنياء البلد على عهد الحسن الثاني كانوا يزيدون من حجم ثرواتهم تبعا لاقترابهم من دائرة القرار المخزني، ومدى استجابتهم لمطالبه. ولأن التغيير في المغرب قلما يأتي من الداخل، فإن آخر تقرير صادر عن البنك الدولي تحدث عن جملة إصلاحات استهلت بمطلب إلزامي من قادة البنك الى الحكومة بحتمية إصلاح "مدونة التجارة" والتحكيم التجاري عموما. ويبدو أن المطلب يضمر في العمق تحقيق سياسة اقتصادية مغايرة لنظام الامتيازات والمنح والخضوع الطوعي لمنطق السوق القائم على المنافسة وجدلية العرض والطلب
- الكود:
-
http://www.4shared.com/office/kROGymxj/A_qui_appartient_le_Maroc.html