تستخدم عبارة سوبر أي القوي لوصف جنود النمل الذين يدافعون عن الخلية. لكن هؤلاء لا يستخدمون الأسلحة إنما أساليب معينة. وقد توصل العلماء إلى سر أسلوب الدفاع لدى النمل واللغة التي يستخدمها في تواصله مع بعضه وتنظيم حياته.
إن النمل الذي يطلق عليه " النمل العملاق" ليس عملاقا في الأصل ولا يملك عضلات فولاذية، بل رأسه أكبر من الحجم المعتاد و فكه قوي يستخدمه في محاربة المعتدين على الخلية. "ويوجد الجنود العمالقة بالدرجة الأولى لدى تلك الأنواع من النمل التي تتعرض بشكل متكرر إلى الهجوم من قبل النمل المتجول"، كما يقول الخبير في علم النمل مانفريد فيرهاغ من متحف علم الطبيعة في كالسروة، فالنمل المتجول يعيش على اللصوصية، وينهب أعشاش مجموعات النمل الأخرى، والتي من بينها بعض أنواع فصيلة Pheidole Obtusospinsa، التي تعيش في الصحارى الجنوبية الغربية للولايات المتحدة، كما يشرح فيرهاغ ويضيف: " عندما يقوم هذا النوع من النمل المتجول بهجوم، يسارع الجنود العمالقة إلى سد مدخل العش الضيق". وعندما يتمكن من سدها تماما يبقى العدو في الخارج. لكن في حال التأخر في سد الفوهة، وتغلغل النمل المتجول إلى داخل العش، فإن الجنود العمالقة يستخدمون فكهم القوي في الهجوم، ويمزقون كل أفراد العدو الذين يصلون إليهم.
جين وراثي لتنشئة جنود للدفاع
فصيلة النمل Pheidole Obtusospinsaليست الوحيدة القادرة على تدريب جنود عمالقة، مثلما اكتشف علماء في جامعة McGill الكندية في مونتريال. ويقولون في المقالة التي نشروها في المجلة العلمية "ساينس" إن الجين الوراثي الذي يدفع إلى تدريب جنود للدفاع عن الخلية موجود أيضا لدى أنواع أخرى من النمل. وعلى ما يبدو تكون هذه الجينات خامدة النشاط في غالب الأحيان، فلا يعرف حتى اليوم سوى ثمانية أنواع من بين حوالي ألف نوع من فصيلة النمل Pheidole في كل أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أن معظم أنواع النمل من فصيلة Pheidole Morris لا تربي جنودا عمالقة، وجد الباحثون أن بالإمكان دفعها للقيام بذلك. فإذا بللوا يرقات النمل في الوقت المناسب بقطرات من مادة معينة، لها مفعول هرمون معين لدى النمل، تتطور اليرقة إلى جندي برأس ضخمة،" فالمقدرة على تربية جنود عمالقة موجودة في الجينوم لدى تلك الأنواع من النمل"، كما يستنتج برناردز ايفيرت، الباحث في علم النمل في متحف سيكينبيرغ لعلوم الطبيعة في غورليتس، ويضيف: " الذي يحسم بعد ذلك بما إذا كانت اليرقة ستتطور فعلا إلى جندي عملاق هو عناصر متعلقة بالبيئة".
ولا توجد حاجة إلى الجنود العمالقة لدى معظم أنواع النمل، لا بل قد يضروا ببنية خلية النمل، كما يشرح زايفيرت: " في البداية يتعين تأسيس مستعمرة النمل بشكل مستقر، عندئذ توجد حاجة كبيرة إلى عمال نشطين، يدبون في شتى أرجاء المكان لإيجاد الغذاء بسرعة، لهذا يشكل الجنود الذين لا يجيدون الحركة عائقا في الطريق".
الطبقية في ممالك النمل
تتحدد المهمة التي ستقع على عاتق النملة بعد نموها منذ وجودها في مرحلة اليرقة، ويتحدث العلماء عن أنواع مختلفة من البنيان القائم على تسلسل طبقي في ممالك النمل. ومفهوم "طبقة" مأخوذ من علم الاجتماع، ويعبر عن إقصاء مجموعات معينة في المجتمع، كما هو الحال في الهند. في ممالك النمل هناك طبقة الملكة، والذكر، والعاملات العاقرات. أما الطبقة الأدنى من العاملات فتشكل الجنود. وهؤلاء لسن سوى عاملات برؤوس كبيرة. أما كيفية تطور اليرقة والمهمة التي تقوم بها بعد اكتمال نموها فتقرره عدة عوامل خارجية، والغذاء والحرارة وأحيانا الهرمونات.
وفي الحقيقة من الخطأ إطلاق تسمية جندي على النمل المدافع عن سلامة الخلية، فهؤلاء الجنود هم إناث أي جنديات، ومن ناحية ثانية، النمل عبارة عن حشرات جبانة لا تميل إلى العنف، كما يقول العالم فيرهاغ، ثم إن البحاثة في علم النمل يستخدمون اليوم عبارة "عاملات رائدات" بدلا من جنديات. والخلية تحتاج إليهن من أجل تفتيت الغذاء وسد المدخل أكثر من الحاجة لهن للدفاع، وهذا لا يعني أن النمل ليس قادرا على خوض معارك ضارية، كما يقول فيرهاغ: "عندما يهاجم النمل المتجول يحدث غالبا قتل وحشي على نسق ما كان يحدث أيام حروب العصور الوسطى".
في ألمانيا لا توجد أنواع من فصيلة Pheidole. ولدى التنزه في الغابات الألمانية لا نشاهد ذلك النمل الذي يوصف بالجنود العمالقة، لكن مبدأ سد مدخل الخلية بالرأس منتشر في كل مكان، وحتى في أوروبا الوسطى، وكما يقول فيرهاغ: " إذا تأملنا الجنود لدى النمل المسطح الرأس وجدنا الرأس مسطحا من الأمام، وحجمه يطابق تماما حجم مدخل الخلية". وهذا النوع من النمل يعشعش برغبة في أشجار الجوز، والمدخل إلى العش ضيق ودائري. والجنود يضعون رؤوسهم المسطحة على الفتحة ولا يسمحون بالدخول إليها إلا لأفراد المستعمرة.
مملكة دون تسلسل طبقي
عندما نقرأ عبارات مثل الملكات، العاملات، الجنود، الجنود العمالقة، نتخيل أنه يسود في مملكة النمل تسلسل طبقي صارم، لكن الواقع ليس كذلك، كما يقول برنارد زايفيرت: "المغزى من هذا كله هو توزيع العمل، لكن لا توجد هرمية في القرار كما هو الحال في نظام الجيش لدى البشر، فلدى النمل يستند كل شي إلى تنظيم ذاتي، وعندما تنتقل مثلا مجموعة من النمل إلى مكان آخر، لا يوجد رئيس أعلى يتخذ القرار ويقول: هنا سيكون بيتنا الجديد، فالذي يحدث هو أن عددا من النمل يستطلع المكان، وعندما يقع اختياره على بقعة معينة يجلب إليها عددا آخر من سكان الخلية، وبعد ذلك تدب أعداد أخرى إلى هناك، وفي وقت ما ينتقل الجميع إلى المكان الجديد، وهذا ظاهرة جماعية".
"هذا النظام القائم على أساس ضمان البقاء يستند إلى تواصل كيميائي"، كما يقول فيرهاغ، فالملكة لا تحدد من يقوم بهذا العمل أو ذاك، لكنها توقف من خلال إفرازها مادة الفيرومين تطور المبيض لدى العاملات " فهذه المادة التي ترسلها تفهم الأخريات أنها هي الملكة. وبواسطة إطلاق إشارات على شكل مواد كيميائية مثل حمض النمل، تنذر الحشرات أفراد الخلية بوجود خطر، أو بأنها تحتاج إلى مساعدة، لنقل يرقة لذيذة إلى العش مثلا". ويؤكد الباحث فيرهاغ أن النمل لا يتواصل مثل البشر بواسطة اللغة، ولا يستطيع التخطيط للمستقبل، بل يقوم بكل بساطة بوظيفته، بغض النظر عما إذا كان هذا سيكلفه حياته.