المهمشون في التاريخ الأوروبي يقدم لنا عرضا لتاريخ الطبقات المقهورة في أوروبا منذ الحضارة اليونانية إلى الآن.
إذا كانت الديمقراطية ارتبطت في نشأتها بأثينا، حتى أصبحت نموذجا تتمناه الشعوب المقهورة، فإن د.إسماعيل يؤكد أن هذا التقدير لديمقراطية أثينا كان مقصورا على أقلية محدودة من سكانها، كما أن حق الانتخاب كان مرتبطا بحق المواطنة التي لم يتمتع بها إلا من كان من أبوين أثينيين.
ويوضح أن الديمقراطية على هذا النحو كانت مفهوما هشا، لا جدوى منه في غياب العدالة الاجتماعية، وهو ما نتج عنه صراع أفضى إلى ثورة اجتماعية قدر لها مراجعة النظام السياسي السائد، وإعادة تشكيله بما يضمن قدراً كبيراً من حماية مصالح الأغلبية.
ويذكر د.إسماعيل أن هذه الصراع لم يشارك فيه الفلاحون، لأنهم كانوا يتمتعون بحيازة الأرض وممارسة الحقوق السياسية، وكانت الفلاحة آنذاك حرفة متميزة لها جلالها ووقارها، باعتبارها الحرفة المنتجة لضرورات الحياة، في حين أن الصناعة جرى اعتبارها حرفة المهمشين، إذ كان المشتغل بها في مكانة اجتماعية مزرية.
وفي سعيه لرسم خريطة اجتماعية لأثينا القديمة يشير د.إسماعيل إلى أن هناك أعمالا أخرى كان يقوم بها المهاجرون الغرباء، الذين حرموا من حقوق المواطنة وبرر الفلاسفة أهمية وجودهم على أساس أنهم يتيحون للارستقراطية التفرغ للحكم والحرب، وكان هؤلاء يشكلون قوام الطبقة الوسطى، التي يقع عليها عبء الضرائب الفادحة والحرمان من ملكية الأرض.
وكانت هناك طبقة الأرقاء، من أسرى الحرب أو الصيد المجلوبين من الدول الأجنبية عن طريق التجار، وكان الفلاسفة ومنهم أرسطو، يبررون وجود هؤلاء باعتباره أساسيا لقيام مجتمع الأحرار لكن أحوالهم المتردية كانت حافزا على التمرد من وقت لآخر.
ومع تفاقم الأحوال الاقتصادية كما يشير المؤلف خلال النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد، تخلقت الظروف الموضوعية لاندلاع الصراع الذي استهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية معا، وكانت النتيجة التي أسفرت عن نظام جديد، فرض الضرائب على التجار مع إشراف الدولة على النشاط التجاري، فاستنت قوانين لمنع الاحتكار، وراقبت تجارة الحبوب وأسعار السلع، وجعلت عقوبة الإعدام لمن يتجاوز تلك القوانين.
وإذا كانت اليونان شهدت أوج مجدها في عهد الإسكندر الأكبر، فإنه بوفاته عام 322 ق. م، دخلت اليونان في عصرها المظلم، من جراء الحروب الداخلية والغزوات الخارجية، وما ترتب عليها من كساد اقتصادي، فقد اندلعت الحروب بين قادة الإسكندر الخمسة الذين اقتسموا الإمبراطورية، وطمح كل منهم إلى تحقيق سيادته بما أفضى إلى مذابح بشرية أهلكت الحرث والنسل.
ومن إمبراطورية الإسكندرية، التي عانت التمزق بعد رحيله إلى الإمبراطورية الرومانية، حيث كان العامة يمثلون السواد الأعظم من السكان، سواء كانوا من الأحرار الذين احترفوا الصناعة والتجارة أم من الأرقاء الذين سخروا في فلاحة ضياع الأشراف، وهؤلاء هم الذين أججوا الصراع بصورة سل7مية في البداية عن طريق تقديم مطالب تنطوي على تحقيق نوع من العدل الاجتماعي، وكان التتويج بثورة العبيد التي قادها سبارتاكوس، حين زحف نحو روما بجيشه، في حرب استمرت نحو عام، إلى أن هلك معظم رجاله، وأسر بعضهم، وفر آخرون إلى الغابات.
وينتقل د.إسماعيل إلى العصور الوسطى في أوروبا وما جرى فيها من صراعات، لم تخرج منها إلا بفضل النهضة الأوروبية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، نتيجة التطور الاقتصادي الاجتماعي الذي استمر حتى أواخر القرن الثامن عشر، لتقفز الرأسمالية بعد صراع طويل مع الإقطاع، ومع تطور الوعي يلتقط د.إسماعيل تعاطف “آدم سميث”، أحد منظري الرأسمالية الكبار مع الحركات العمالية، حتى إنه طالب بتكوين تنظيمات عمالية للدفاع عن الطبقة العاملة.
وتواصلت أخطار عصر النهضة فنري جان جاك روسو يقول: “إن أول رجل سور قطعة من الأرض ثم خطر له أن يقول هذه ملكي هو المؤسس لمجتمع متحضر، ولكن ليت شعري كم من الجرائم والحروب والاغتيالات، كم من الفظائع والكوارث لم يكن في استطاعة أي إنسان أن ينقذ البشرية منها إلا باقتلاع الأوتاد المحددة للأرض، إنكم إن نسيتم أن ثمرات الأرض ملك لنا جميعا وأن الأرض ذاتها ليست ملكا لأحد، كان في ذلك هلاككم”. ومن أفكار عصر الأنوار تبلورت أفكار اشتراكية في كتابات الفلاسفة والمفكرين ورجال الدين المستنيرين، وكان من الطبيعي أن يزداد الوعي لدى العامة، نتيجة ما عانوه من شظف العيش والبطالة وارتفاع الأسعار وتدني الأجور، وغير ذلك من أمور نتجت عن الثورة الصناعية.
وكان نتاج ذلك أن تمكن عمال فرنسا في 26 مارس/ آذار 1871 من القيام بثورة شعبية نجحت في تأسيس “كوميونة باريس” التي تم قمعها في العام نفسه، فأعدم من أعدم وسجن الكثيرون وهرب البعض إلى الخارج، واقتصر النشاط على العمل النقابي المهادن، في حين توجه البعض إلى محاولات تأسيس أحزاب اشتراكية.
- الكود:
-
http://www.4shared.com/office/PY-76uN-/____-__.html