كيف يبدأ تكوّن جنين الثورة؟ (2)
اللباني
يبدأ تكون جنين الثورة من تزاوج الإحباط الموجود في الشارع لممارسي الحياة اليومية مع الانحطاط الآتي من أصحاب السلطة والنفوذ الذين يسعون للسيطرة على موارد ومقدرات البلاد من خلال مجموعة من الإجراءات التي تتجاوز أحكام القانون والأخلاق وتضرب عرض الحائط بالمواءمة السياسية والوسطية في تدبير أمور الطبقات الدنيا في المجتمع.
تبدأ الطبقى الوسطى في الانحلال وتتفرق مكوناتها بين من استطاع أن يصعد على أكتاف الانتهازية للوصول إلى الطبقة العليا في المجتمع (طبقة النفوذ والثروة) وبين الطبقة الدنيا القابعة في قاع المجتمع أسيرة لاحتياجاتها اليومية البسيطة، ومن هذه النقطة تجد الطبقة الحاكمة والمتحكمة أنها قد أدت دوراً مهماً في تهيئة مسرح أحداث المجتمع لكل ما تريد، فالطبقة المتوسطة هي الطبقة الأكثر فاعلية وقدرة على الحراك الاجتماعي والقدرة على رفع لواء المعارضة السياسية وتكوين الأحزاب وإبداء الرأي؛ لما تجده في حياتها من رغبة في الترقي الاجتماعي والسعي نحو الصالح العام الذي يهيئ البلاد للأجيال القادمة من أبنائهم، فهم يمتلكون من الموارد الاقتصادية ما يكفي حاجاتهم ولكنهم لا يملكون من تراكم الثروات ما يضمنون به مستقبل أبنائهم، ويرون المستقبل في قبول الحياة العامة في المجتمع للحراك الاجتماعي والاقتصادي، حيث نجد أن الشأن العام هو شغلهم الشاغل لما يمثله من حركة موازية مضمونة للتحرك الذاتي الخاص في المجتمع.
أما الطبقتان الدنيا والعليا فكل منهما تمتلك من السمات ما يجعل أفرادها يعزفون عن الاهتمام بالشأن العام، فالطبقة الدنيا تحمل من هموم الحياة اليومية ما يكفيها ولا يمنحها الفرصة للمشاركة السياسية والاجتماعية، والطبقة العليا تستطيع أن تطمئن إلى وضعها من خلال مندوبيها في السلطة الفاعلين الذين يضمنون لها استقرار الأوضاع لصالحها كما تريد وتتمنى.
تكرس الإجراءات السياسية والحلول الأمنية واقع هذا الانقسام التعسفي الرامي إلى تجفيف منابع الطبقة الوسطى الفاعلة في المجتمع، فتأتي تلك المجموعة التي اتخذت من نفسها قائمة على شؤون المجتمع، وعند اكتمال دائرة السيطرة بما يتجاوز المعقول من الناحية النظرية، لكنه في معقوليته يمثل الامتداد الطبيعي لفحش السيطرة المنفلتة من عقالها، فنجد شخصاً واحداً يجمع بين: عضوية البرلمان (نائب في مجلس الشعب)، وعضوية الحكومة (وزير) وعضوية مجتمع الأعمال (رجل أعمال)، وهنا نجده يشرف على التشريع المناسب لمصلحته الخاصة في البرلمان، ويوعز إلى زملائه في الوزارة بالترتيب الأمني للأوضاع، ويستطيع أن يسرح ويمرح بناء على ذلك في عالم الأعمال من خلال ممارسات تضرب عرض الحائط بحرمة المال العام أو بأحكام القانون.. إلى لقاء
