عبير الروح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عبير الروح

فى الغابة، تتخاصم الأشجار بأغصانها، لكنها تتعانق بجذورها
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الثورة.. بين السياسية والفكر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اللباني

اللباني


عدد المساهمات : 55
تاريخ التسجيل : 09/05/2011

الثورة.. بين السياسية والفكر Empty
مُساهمةموضوع: الثورة.. بين السياسية والفكر   الثورة.. بين السياسية والفكر Emptyالأحد يونيو 12, 2011 4:08 am

الثورة.. بين السياسة والفكر
محمد اللباني
هل نعيد النظر في مشاريعنا الفكرية؟ هل ما حققته الثورات العربية يخالف ما قدمه أصحاب المشاريع الفكرية من تحليلات لحالة الركود الفكري العربي؟ ولكن.. هل هذه الثورات ثورات سياسية أم فكرية؟ ثورات على الحاكم أم على أنماط من الفكر والشعور ورؤية العالم؟
من المؤكد أن ما تشهده المجتمعات العربية من ثورات هي فيما تبدو عليه ظاهرياً ثورات سياسية، لا تقترب من المجال الفكري، ولا تقدم شيئاً للأنماط التفكيرية والعقلية الشائعة والمنتشرة بين الناس في حياتهم وفي طرق تدبير حياتهم.. وهذا ما يجعل طريق الثورة طويل، فتاريخ الثورات يعلمنا أنها تبدأ بالثورة على السلطة السياسية، وهي أقرب إلى دنيا الناس وحياتهم اليومية، ثم تمتد إلى بقية جوانب الحياة، فالإنسان الذي يتمرد على السلطة السياسية لا يمكن أن يبقى كثيراً من الوقت خاضعاً مستسلماً للسطة الفكرية، لا يستطيع أن يتقبل كثيراً من يرشده ويوجه فكره نحو أسلوب من الفهم أو طريقة في التفكير أو نمط في الرؤية، سواء من رجال الدين أو المثقفين أو المشتغلين بالإعلام.
الثورة خيط يبدأ من نقطة ما، قد تكون فكرية في البداية وتمتد إلى السياسي، وهذا ما حدث في أوربا النهضة، وقد كانت الظروف في بداية تفتح الوعي البشري بعد قرون وسطى سيطرت فيها الكنيسة على مجمل التحركات الذهنية والسلوكية للإنسان، إنها اللحظة التي وقف فيها مارتن لوثر ضد ما كان يسمى بصكوك الغفران التي كانت تمنحها الكنيسة لكل فرد يريد "الخلاص" على طريقتها، مهما ارتكب من الفظائع والأهوال، طالما أنه يتبرع لرعاة الكنيسة في روما، ويدفع مقابلاً مادياً لكل ما يرتكبه من جرائم. أصدر مارتن لوثر بياناً يحتوي على 95 قضية ضد صكوك الغفران، ولم ينشر البيان بطريقة خفية بل لصقه على باب كنيسة فتنبرج، في يوم 31 أكتوبر 1517م، وكان يوماً مؤثراً في مسار حركة التاريخ البشري، ومنه بدأت حركات التذمر والتمرد على جميع السلطات، طالما أن التمرد تم على سلطة الكنيسة، وهي التي تتحدث بأقوى ما يؤثر في الإنسان وهو الدين، فقد كانت بقية السلطات سهلة من حيث التمرد عليها.
في مجتمعاتنا العربية ابتعلت السلطة السياسية كل السلطات في جوفها، فقربت رجال الدين المتواطئين معها ورفعت من شأنهم، وأدخلت كل المخالفين السجون، واشترت الأقلام والكتّاب الذين يمثلون السلطة الفكرية في مجتمعات لا زالت تعاني من الأمية الأولية، إضافة للأمية الثقافية، واستطاعت أن تجمع كل السلطات في يدها وتوجتها بالسلطة الأمنية التي تغلغلت في كل مجال من مجالات حياتنا.
جاءت أحداث الثورات العربية الأخيرة لتكشف عن هول وبشاعة السلطات الأمنية من ناحية، وعن ضعفها وهشاشتها من ناحية أخرى، فالقوة الأمنية مهما تجبرت ومهما قويت هي في نهاية المطاف إلى زوال وإلى انتهاء، فالإنسان الذي يقوم بممارسات القوة ضد غيره من البشر لابد أن يتوقف في مرحلة ما عن تأدية ما يقوم به عندما تنفد خزائن التمويل التي تعطيه القوة لممارساته. القوة والأمن والبلطجة ممارسات تقوم على الضخ المستمر للأموال ليقوم بها من يقبضون الثمن، وعندما يقل التمويل أو يتهاون فإن هؤلاء الأفراد يتراخون عن تأدية مهمتهم، وفي الأحداث الحاصلة الآن في مجتمعاتنا العربية تزداد احتياجات أهل الأمن لشعورهم أنهم يؤدون "خدمات" للنظام السياسي أكثر مما كان متفقاً عليه في السابق، فهم يرون أنفسهم يقومون له بكسب معركة الوجود، وهي إما أن يستمر وما أن يتهاوى، ولن تكفي تلك الأعطيات التي كانوا يرضون بها في الظروف العادية. سنجد إذن أن هذه القوة الأمنية الغاشمة في سبيلها إلى الزوال، إن عاجلاً أو آجلاً.
وعند هذه اللحظة ينكشف الغطاء عن هشاشة أخرى هي الهشاشة الفكرية، ونجد أن كل هؤلاء الذين كانوا مع السلطة (بالروح والدم) يتخلون عنها ويتركونها ليلحقوا بالمنظومة الفكرية التي بدأت في التشكل لبناء عصر جديد، فهم من المنتفعين الذين يستطيعون أن يتأقلموا مع كل العصور وفي مختلف الظروف.
يزداد ضغط التمرد الشعبي على السلطة الأمنية، وتتبعها السلطة الفكرية، وبذلك تتفكك تلقائياً السلطة السياسية، لأنها في الأساس لم تكن سلطة سياسية، بمعنى أنها لا تستمد قوتها من "شرعية" من نوع ما، بل هي مجرد سلطة أو قوة غاشمة تستمد قوتها من ترتيبات القوة بدلالتها "الخشنة"، ولا تمتلك من الشرعية في نفوس الناس وعقولهم ما يؤهلها للاستمرار أو القوة المعنوية التي من الممكن أن تمثل إمكانية للثبات أمام المتغيرات أو الظروف الطارئة.
أما انهيار السلطة السياسية الاستبداية في عدد من الدول العربية أعتقد أننا أمام نقطة الصفر من الثورة الفكرية وتكوين أنماط التحرر في الذهن والتفكير، لكن لا يمكن أن نقارن أنفسنا الآن بأوروبا مثلاً في نهضتها، فقد كانت الظروف مختلفة تماماً وكان العصر مغايراً، واحتاجت أوروبا إلى قرنين من الزمان لتصنع تلك الأنماط الفكرية التي ستمثل بعد ذلك تراثاً للبشرية، لا أقول إننا سنأخذ أنماطاً فكرية جاهزة، لكننا سنجد التراث الفكري في مشتركاته الإنسانية جاهزاً للانطلاق منه نحو صنع منظوماتنا الفكرية بخصوصيتها الحضارية. فمثلاً من التراث الإنساني الناتج عن الثورتين الأمريكية والفرنسية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. لا يمكن لمجتمع من المجتمعات المعاصرة أن يتجاهل هذا الإعلان في صنع منظومته الفكرية أو انطلاقته الثورية، حيث يمثل الحد الأدنى أو الأساسي من الاتفاق حول الحقوق البشرية المقررة في التجربة الإنسانية بشكل عام، وتغيرت من كونها تجربة أوروبية إلى كونها تجربة إنسانية تحتاج إلى أن تُضمن في الدساتير وفي الممارسات السياسية العملية، وتستمر في تأثيرها ونجاعتها من خلال السعي لتطبيق مبادئ هذا الإعلان، وهذا مجرد مثال على الأسس الفكرية والتراث الإنساني المتوافر أمام الثورات العربية مما يجعل القرنين في بناء النهضة الفكرية في أوروبا يتحولان إلى عقدين في المجتمعات العربية الصاعدة نحو التحرر والثورة والديمقراطية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الثورة.. بين السياسية والفكر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» العرب والفكر التاريخي - عبد الله العروي
» باليه الثورة الصينية
» كيف يتكون جنين الثورة؟
» وهنا يبدأ جنين الثورة في التكون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عبير الروح :: الفنون :: الحوار الفكري والإجتماعي والسياسي-
انتقل الى: